قرارات ملموسة في اجتماع اللجنة الإستراتيجية العليا..
أكد سعادة السيد ياسين أكرم سريم نائب وزير الخارجية التركي أن العلاقات التركية القطرية تتطور بسرعة في كافة المجالات، ولها طابع استراتيجي مبني على الثقة المتبادلة مشددا على أن التعاون بين الدوحة وأنقرة سوف يصبح أقوى في السنوات المقبلة، استنادا إلى البنية التحتية المؤسسية القائمة اليوم. وقال سعادته في حوار خاص مع الشرق:» نحن على ثقة من أن أواصر الأخوة بين شعبينا، فضلا عن الإرادة السياسية المشتركة لقادتنا، ستأخذ تعاوننا إلى مستويات أعلى.»
وأبرز نائب وزير الخارجية التركي أن اجتماع اللجنة الإستراتيجية العليا التي سيعقد في إسطنبول في أكتوبر أو نوفمبر سيشهد اتخاذ قرارات ملموسة على أعلى مستوى بشأن جميع القضايا المدرجة على جدول الأعمال، من غزة إلى العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية، ومن التعاون الدفاعي إلى المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء العالم.
ولفت سعادته إلى أن بلاده تواصل التنسيق والعمل مع قطر لتسخير جميع الفرص والإمكانات لتقديم المساعدات الإنسانية للأشقاء في فلسطين إلى جانب الجهود المبذولة لوقف إراقة الدماء ومنع امتداد الصراع إلى لبنان والمنطقة.. كما تطرق نائب وزير الخارجية التركي لمستقبل العلاقات بين البلدين وأفق تطويرها. و فيما يلي نص الحوار كاملا.
لنبدأ بزيارتكم إلى الدوحة، ما هي أبرز المواضيع التي تمت مناقشتها في لقاءاتكم مع المسؤولين القطريين؟
يسعدني جدًا أن أزور دولة قطر الصديقة والشقيقة مرة أخرى بعد غياب دام قرابة عامين، قدمت في زيارة بدعوة من سعادة السيدة لولوة بنت راشد الخاطر وزيرة الدولة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية، وأختي العزيزة. وبمناسبة زيارتي، عقدنا اجتماعات مثمرة مع سعادتها وكذلك مع السيد سلطان العسيري المدير العام لصندوق قطر للتنمية، وسعادة السفير محمد العمادي، رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة.
في البداية، أود أن أشكر إخواني القطريين على كرم الضيافة الذي أظهروه لي ولوفدي، والذي ضم أعضاء على مستوى إدارة آفاد، هيئة الكوارث والطوارئ التركية. لقد كنا على اتصال منتظم مع وزيرة الدولة السيدة لولوة الخاطر منذ شهر مارس، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية لغزة. لقد عقدنا اجتماعات مع سعادتها في أنطاليا ثم في مرسين في الأشهر الماضية.
وفي اتصالاتنا مع أصدقائنا القطريين هذه المرة، تبادلنا وجهات النظر حول التطورات التي تؤثر على منطقتنا والمساعدات الإنسانية التي قدمناها ويمكننا تقديمها في جميع المناطق الجغرافية حول العالم التي تحتاج إلى دعمنا، وخاصة في غزة. قررنا إنشاء لجنة تتألف من مؤسساتنا ذات الصلة. وعقدت هذه اللجنة بالفعل اجتماعها الأول في 2 يوليو.
ومن الآن فصاعدا، ستجتمع اللجنة بانتظام لتقييم التطورات في منطقتنا، وخاصة في غزة، ولصياغة مشاريع المساعدات الإنسانية بالشراكة مع تركيا وقطر.هدفنا هو تنفيذ مشاريعنا في اجتماع اللجنة الإستراتيجية العليا الذي سيعقد في إسطنبول في أكتوبر أو نوفمبر من هذا العام بقيادة رئيسنا وأمير قطر الشيخ تميم. وبهذه المناسبة، نرغب في تحديث مذكرة التفاهم في مجال المساعدات الإنسانية خلال هذه الفترة. لقد أكدنا مرة أخرى إرادتنا المشتركة مع قطر في مد يد العون أينما وجد مظلوم ومحتاج.
دعم غزة
- ما هي آخر الجهود التركية القطرية في تقديم الدعم الإنساني للأشقاء في غزة؟
كما تعلمون، منذ بداية الأزمة، اضطلعت تركيا وقطر بجزء كبير من المساعدات التي قدمتها الدولتان إلى غزة. وتشكل «سفينة اللطف التركية القطرية لغزة»، التي تحمل 1950 طنًا من المساعدات الإنسانية التي تم تنظيمها بالتعاون مع «آفاد» وصندوق قطر للتنمية، وصولها إلى ميناء العريش لإرسالها إلى غزة، نتيجة ملموسة للتعاون بين البلدين.
وفي إطار الاتفاق الذي توصلنا إليه، سنعمل على تعميق مساعداتنا الإنسانية لغزة وفلسطين من خلال المزيد من المشاريع الملموسة. وتعمل الدولتان على القيام بدورهما خاصة من أجل التعافي السريع في غزة. ومن ناحية أخرى، قدمت تركيا حتى الآن خدمات السفن والجسور الجوية والمشتريات المحلية وخدمات الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين. ويبلغ إجمالي مواد المساعدات الإنسانية المرسلة بالتعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) حوالي 56 ألف طن. بالإضافة إلى ذلك، يتم تسليم 26 ألف طن من مساعدات الدقيق إلى فلسطين عبر الأونروا كل عام، وتقرر زيادة هذا العدد إلى 30 ألف طن بحلول عام 2024.
- حذرت تركيا من توسع مخيف للحرب في غزة وامتدادها الى مناطق أخرى. كيف ترى تطور الأوضاع في لبنان وما هي الجهود المبذولة لوقف الحرب؟
في قضية فلسطين، لدينا في الأساس أولويتان في غزة: الجرح النازف في الشرق الأوسط. علينا أولا أن نوقف إراقة الدماء، ونمنع امتداد الصراع إلى لبنان والمنطقة. وفي هذا الصدد، نعتبر القرار 2735، الذي اتخذه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 10 يونيو، القاضي بوقف إطلاق النار في غزة، خطوة مهمة في إنهاء المجزرة في غزة. ورحبنا أيضا بالقرار القضائي المؤقت الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، والذي أمر إسرائيل بوقف هجماتها على رفح في غزة وفتح بوابة رفح الحدودية على الفور أمام المساعدات الإنسانية.لا توجد دولة في العالم فوق القانون. ونتوقع أن تنفذ إسرائيل بسرعة جميع القرارات التي اتخذتها المحكمة. ولضمان ذلك، فإننا ندعو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى القيام بدوره.
ثانياً، يتعين علينا أن نجد حلاً عاجلاً للوضع الإنساني الذي أصبح خارج نطاق السيطرة على نحو متزايد. وفي هذا السياق، نحن نتعاون بشكل وثيق مع قطر.
وقف إطلاق النار في غزة
- اتخذت تركيا موقفا رائدا في دعم الشعب الفلسطيني. هل هناك تحركات جديدة للضغط من أجل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ودعم القضية الفلسطينية ؟
إن المجازر التي وقعت في غزة منذ 7 أكتوبر مفجعة لنا جميعا. وفي ظل هذه الظروف، أعتقد أنه من الأهمية بمكان تعزيز أسس الحوار المتبادل وتعميق التعاون، خاصة مع البلدان التي نتقاسم معها نفس الجغرافيا ونفس المصير. لقد أعلنا للعالم أجمع في مناسبات مختلفة أننا لم ولن نستطيع أن نبقى صامتين في وجه القمع في غزة.
لقد كانت القضية الفلسطينية منذ فترة طويلة القاسم المشترك بيننا. وفي هذا السياق، لن نترك إخواننا الفلسطينيين وحدهم أبدًا. وكما قال رئيسنا الموقر: «كما حمى أجدادنا فلسطين عبر التاريخ، وكما حمت الجمهورية التركية فلسطين منذ تأسيسها، نأمل أن نحميها نحن أيضًا بنفس الروح ونفس التصميم ونفس الشجاعة».
وسنعمل بكل قوتنا لوقف الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق حل الدولتين. ونحن في تركيا نقدر جهود الوساطة بين الطرفين. لقد قدمنا كل مساهمة ممكنة في هذه الجهود، وسنواصل القيام بذلك في المستقبل. في الأساس، إن الحصول على دولة هو الحق الطبيعي للفلسطينيين. دولة فلسطين معترف بها من قبل معظم دول العالم.
ومع ذلك، وبسبب أوجه القصور والظلم في النظام الدولي، لا يمكنها أن تصبح عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة.
ويكشف هذا الوضع مدى صحة مبدأ رئيسنا «العالم أكبر من خمسة». ونحن نقدر جميع البلدان التي تعارض مثل هذا الظلم وتتصرف بطريقة مبدئية وعادلة. تساهم تركيا في الخطوات التي من شأنها ضمان الوقف الدائم للحرب، وانسحاب إسرائيل من كل قطاع غزة، والإفراج المتبادل عن الرهائن والمعتقلين، وعودة النازحين الفلسطينيين إلى غزة، وتوصيل المساعدات الإنسانية بشكل كاف دون انقطاع، وعودة اللاجئين. وستعود الحياة في غزة إلى طبيعتها.
هل سيكون لديكم دور في إعادة إعمار غزة ؟
هناك مستوى من الدمار في غزة لم نشهده من قبل. وفي سياق عملية الإنعاش المبكر في غزة، نريد إجراء تقييم للوضع وأعمال إزالة الأنقاض في المرحلة الأولى، وفي الفترة التالية، نريد التعاون مع قطر في بناء مركز الإيواء المؤقت والبنية التحتية والبنية الفوقية. تتمتع تركيا بفرص وقدرات وخبرات كبيرة في مجال البنية التحتية الدائمة وبناء البنية الفوقية. وأود التأكيد على أننا سنسخر هذه الفرص والإمكانات بالتعاون مع كافة الدول الصديقة، وخاصة قطر، لإعادة حياة الأشقاء في غزة إلى طبيعتها. وأود أن أؤكد أننا على استعداد للتعاون مع الدول المجاورة والمنظمات الدولية والدول الأخرى ذات الصلة بشأن هذه القضايا.
العلاقات مع قطر
- شهدت العلاقات القطرية التركية تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، وصولا إلى شراكة استراتيجية. كيف تقيمون هذا التطور؟
إن العلاقات التركية القطرية تتطور بسرعة في كافة المجالات، ولها طابع استراتيجي مبني على الثقة المتبادلة. إن قادتنا ووزراءنا وجميع المؤسسات ذات الصلة على اتصال وثيق ويعملون على توطيد علاقاتنا الثنائية وبحث القضايا الدولية المشتركة. وتشهد العلاقات التركية القطرية، التي احتفلت العام الماضي بالذكرى الخمسين لتأسيسها، تطورا سريعا في كافة المجالات، ولها طابع استراتيجي قائم على الثقة المتبادلة. وبفضل علاقاتنا القوية القائمة ليس فقط مصالحنا المشتركة، بل أيضا تجمعنا مشاعر الأخوة الصادقة المتبادلة، فإن العلاقات بين بلدينا تحقق تقدما كبيرا في كافة المجالات.
وكما ذكرت من قبل، فإن قادتنا ووزراءنا سيجتمعون مرة أخرى في اجتماع اللجنة الاستراتيجية العليا الذي سيعقد في إسطنبول في أكتوبر أو نوفمبر. وفي هذا الاجتماع، سيتم اتخاذ قرارات ملموسة على أعلى مستوى بشأن جميع القضايا المدرجة على جدول أعمالنا، من غزة إلى العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية، ومن التعاون الدفاعي إلى المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء العالم.
وكذلك ترحص بلادنا على تعزيز علاقاتها مع دول الخليج ومنذ مشاركة رئيسنا كضيف شرف في قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الدوحة في 5 ديسمبر، اكتسبت العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي زخما قويا خلال فترة رئاسة قطر لمجلس التعاون الخليجي، ونشكر قطر على دعمها في هذا الصدد.
- ماذا عن التعاون الاقتصادي بين الدوحة وأنقرة، ما هي أهم المشاريع المشتركة الذي تعملون على تطويرها من الجانبين ؟
لقد تم تعميق شراكتنا الإستراتيجية بشكل كبير من خلال رؤيتنا المشتركة للاستقرار والازدهار والدعم المتبادل في الأوقات الصعبة. إن الاتفاقيات التي نوقعها كل عام منذ عام 2015، وآخرها عقدت في الدوحة في 4 ديسمبر 2023، في اجتماعات اللجنة الاستراتيجية العليا، تساهم بشكل كبير في تنويع وتعميق علاقاتنا. وقد ساهمت هذه الاتفاقيات الموقعة في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والمالية والدبلوماسية ومختلف مجالات الخبرة في تعزيز الأساس التعاقدي لعلاقاتنا. وأعتقد أن علاقاتنا سوف تصبح أقوى في السنوات المقبلة، استنادا إلى البنية التحتية المؤسسية القائمة اليوم. ونحن على ثقة من أن أواصر الأخوة بين شعبينا، فضلا عن الإرادة السياسية المشتركة لقادتنا، ستأخذ تعاوننا إلى مستويات أعلى.
تركيا آمنة
- شهدنا مؤخرا للأسف مجموعة من حوادث العنف في تركيا ضد عدد من السياح العرب والخليجيين؟ ما هو موقفكم من مثل هذه الحوادث؟ وهل تركيا آمنة للسياح؟
بداية، أود التأكيد على أن تركيا بلد آمن ليس للسياح العرب فحسب، بل للجميع. وباعتبارنا دولة يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، فإننا نبذل قصارى جهدنا لاستضافة 50 مليون سائح يزورون بلادنا كل عام بشكل مناسب. لدينا ضيوف من كل أمة وعرق ودين. كما نستضيف أيضًا ما يقرب من 2 مليون سائح عربي في تركيا كل عام. والعديد من أشقائنا العرب، وخاصة أصدقاءنا في منطقة الخليج، لديهم استثمارات في بلادنا. يقضي هؤلاء الإخوة والأخوات إجازاتهم في بلدنا مع عائلاتهم وأصدقائهم كل عام. ومع ذلك، فمن خلال إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يتم تضخيم بعض الحوادث المعزولة التي نشهدها في جميع أنحاء العالم عمدًا. ولن نسمح أبدًا لهذه الاستفزازات بالإضرار بروابط الأخوة التاريخية بين الأتراك والعرب. تعد تركيا من بين الدول الرائدة في العالم في الحرب ضد كراهية الإسلام والأجانب. واليوم، يجب على جميع البلدان استخدام جميع مواردها للتغلب على مواجهة العداء المتزايد تجاه الإسلام في جميع أنحاء العالم. والأمة التركية مضيافة في إطار هذا التفاهم، العنصرية وكراهية الأجانب لا وجود لها في تاريخنا. وفي تركيا، أبوابنا مفتوحة لكل من يريد زيارة بلدنا واكتشاف ثقافتنا وطعامنا وتاريخنا وطبيعتنا.. جميع ضيوفنا هم تاج مجدنا.