أكدت د. آيرنا سلاف، الباحثة المتخصصة بمجال الغاز الطبيعي المسال والتعدين والجغرافيا السياسية، والكاتبة بعدد من المواقع والصحف الأمريكية المتخصصة في الطاقة، على وجود العديد من المؤشرات الإضافية التي ساهمت في تحول أوروبا من اتجاهاتها التعاقدية والتي كانت تتراجع سابقاً عن التعاقدات طويلة المدى في ظل خطط تحول الطاقة، وعلى الجانب الآخر سعي قطر لعقد عقود طويلة المدى من أجل ضمان مستدام لتوريدات الغاز بتجاوز هامش الأسعار اللحظي وسياساتها الرافضة لتسييس الطاقة وإيجاد صيغة للتعامل الأمثل فيما يتعلق بمنتجها الإضافي من الغاز الطبيعي في السنوات المقبلة، وفي ظل وجود قطر كأكبر لاعب في الاستثمار في الغاز الطبيعي بنحو 50 مليون طن مكعب من الغاز الإضافي الذي سيضخ بالأسواق بحلول 2025 و2027 فضلاً عن المشروعات القطرية التي ستدخل حيز الإنتاج في العام المقبل في خليج ساحل تكساس، ذلك في ظل وجود مخزونات الغاز الطبيعي المسال عند مستوى قياسي مرتفع بسبب ضعف الطلب، لكن المستوردين في جميع أنحاء العالم يتطلعون إلى تأمين عقود طويلة الأجل، كأحدث ما يعتمل في أسواق الطاقة من مؤشرات عديدة.
تقول د. آيرنا سلاف، الباحثة المتخصصة بمجال الغاز الطبيعي المسال والتعدين والجغرافيا السياسية: إن ما يفيد قطر في ذلك مستويين مرتبطين من المعادلة الأساسية المرتبطة بأسواق الطاقة الآسيوية التي ضمنت معها الدوحة بالفعل نحو 90% سابقاً من صادراتها من الغاز إلى دول آسيوية عبر عقود طويلة المدى، حيث أبرزت الطفرة في السوق الفورية العام الماضي أهمية أمن الطاقة للمستهلكين، وخاصة المستوردين في آسيا، ذلك نظرًا لأن المزيد من الغاز الطبيعي المسال يأتي عبر صفقات طويلة الأجل، فقد يجد المستوردون الأوروبيون الذين يترددون في التوقيع على صفقات طويلة الأجل أنفسهم يدفعون أسعارا أعلى بكثير، وهذا هو الجانب الآخر، فإن معادلة الأسعار ترتبط دائماً بحجم المنتج المعروض وتوافره، ومع تأمين عقود طويلة للغاز الطبيعي، فإن عقد صفقات لمخزون غير متوفر بأسعار ستكون عالية تماماً ذلك لسد الاحتياجات على مدار فترات قصيرة، سيكون أكثر تكلفة إذا ما تم تأمين احتياجات الغاز الفورية عبر عقود طويلة المدى تضمن استدامة التوريد وأسعار مناسبة للمنتج والمصدر معاً في تأمين خطط تعاقدية صحيح أنها تنطلق من واقع الأزمة، ولكن لا تطغى على أطراف المعادلة، ومع تزايد الطلب الأوروبي، وتعاظم الاحتياجات، سيكون هناك تطلع كبير لعقد صفقات طويلة المدى في الغاز لتأمين ما يكفي من الغاز الطبيعي المسال للمستقبل دون تعريض أنفسهم للسوق الفوري المتقلب، وهذه الإستراتيجية التي لم تكن مفضلة دائماً في أوروبا، خاصة في ظل الخطط الانتقالية وسياسات تحول الطاقة، ولكن التجربة في آسيا عموماً كانت أكثر تميزاً وأيضاً فإنه إذا لم تتحرك أوروبا أو المشترون الراغبون في توريدات إضافية من الطاقة فإن الدول الآسيوية ترغب في ذلك وبشدة لأنها بالأساس هي التي كانت مستهدفة من خطط التوسع الإضافية التي بدأت بها قطر حتى قبل الحرب الروسية الأوكرانية.
وتتابع د. آيرنا سلاف، في تصريحاتها لـ الشرق قائلة: إن ما غير المعادلة عموماً حينما كان يتم النظر لجدوى الاستثمار السابق من الغاز الطبيعي المسال، وهي مناقشات طرحت بالفعل فيما يتعلق بالاستثمار في الغاز الصخري الأمريكي الذي شهد إحجاماً عن الاستثمار في فترة كورونا أدى لأن الدول الأكثر جاهزية مثل قطر، باتت هي على سباق الصدارة والريادة في السنوات الثلاث المقبلة، والهامش السابق كان ينظر للسوق الأوروبية بصيغة جدوى الاستثمار في ظل سياسات الطاقة الانتقالية ومشاريع تحول الطاقة، بينما المستثمرون الأكثر من آسيا هم بالفعل نجحوا في تأمين تعاقدات طويلة المدى من قطر التي تصدر أغلبية صادراتها من الطاقة إلى القارة الآسيوية، وفيما يتعلق بالمؤشرات الداعمة لسيناريوهات الطاقة من آسيا وجدنا مثلاً إنه منذ بداية العام، تم إبرام صفقات طويلة الأجل بقيمة حوالي 13 مليون طن سنويا، وفقًا لـ Wood Mackenzie، مع استمرار زخم العام الماضي الذي يمتد إلى هذا العام أيضاً وقالت الشركة البحثية إن العام الماضي تم التعاقد على نحو 81 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا بموجب صفقات توريد طويلة الأجل، ومن بين الصفقات التي تم توقيعها هذا العام عقد الصين لمدة 20 عامًا مع Venture Global، والذي سيوفر 2 طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا لشركة China Gas Holdings بدءا من عام 2027، كما أبرمت الشركة الصينية صفقة مدتها 25 عامًا مع شركة Energy Transfer لتسليم 700000 طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، وإلى جانب الصين، تعد الهند مشتريا كبيرا آخر للغاز الطبيعي المسال مع تأمين التوريد على المدى الطويل، وذكرت بلومبيرغ هذا الأسبوع أن مستوردي الطاقة في شبه القارة الهندية كانوا يبحثون عن صفقات طويلة الأجل لتقليل التعرض لتقلبات الأسعار، وكانوا يجرون محادثات مع قطر من أجل ذلك، حيث يأتي الاندفاع بعد ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال في السوق الفورية في العام الماضي بعد أن سارع الاتحاد الأوروبي إلى تأمين أكبر قدر ممكن من الوقود، مما دفع الأسعار الدولية إلى الارتفاع لدرجة اضطرت بعض الدول إلى التحول من الغاز إلى الفحم لتوليد الطاقة لأنهم لم يتمكنوا من توفير الغاز في شكل مسال، حسبما أوضح أكشاي كومار سينغ، الرئيس التنفيذي لشركة بترونت للغاز الطبيعي المسال، في وقت سابق من هذا الشهر، وفقًا لما نقلته بلومبيرغ: «الدرس الذي تعلمه المستهلكون هو أنهم لا يستطيعون إدارة الأعمال على الفور». «من الآن فصاعدًا، سنجد الكثير من العقود طويلة الأجل الموقعة من قبل مختلف أصحاب المصلحة»، وهو ما يعزز الاتجاهات نحو الصيغة التعاقدية التي تفضلها قطر بكل تأكيد، فيما تعد اليابان أيضا مشتريا كبيرا للغاز الطبيعي المسال نظراً لفقر مواردها من الطاقة، فإنها تعتمد بصورة كلية تقريبا على الواردات لاستهلاكها من الطاقة، ويشكل الغاز الطبيعي المسال جزءا كبيرا من مزيج الواردات، ولهذا السبب، تعد اليابان أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث استعادت المركز الأول من الصين العام الماضي على الرغم من انخفاض إجمالي واردات الغاز الطبيعي المسال بشكل طفيف، وتعد قطر وجهة شهيرة لمشتري الغاز الطبيعي المسال، وكذلك عمان، وفقًا لـ Wood Mackenzie.
وتختتم د. آيرنا سلاف، تصريحاتها قائلة: إن الفترة الأخيرة شهدت عددا من الصفقات طويلة الأجل التي تم إبرامها في الأشهر القليلة الماضية، مع المشترين بما في ذلك المرافق اليابانية، وsupermajors، وشركة صينية، وشركة تركية، وأوضح تقرير لشركة أبحاث وود ماكينزي أنه نتيجة لهذا الاهتمام المتجدد، فإن الأسعار آخذة في الارتفاع، فعادة ما يتم ربط عقود الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل بأسعار خام برنت، وفي عامي 2020 و2021، كان متوسط التسعير حوالي 10٪ من المعيار القياسي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، الآن، يطلب البائعون 12.5٪ من خام برنت وما فوق، مع وصول بعض الصفقات إلى 17٪، وهو ما يعزز هذا الاتجاه المهم من أجل تحول السياسات نحو سياسات تعاقدية طويلة المدى، فمع وصول أسعار النفط إلى ما هي عليه الآن، من المحتمل أن تزداد الرغبة في صفقات الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل حيث قد يرغب البائعون في تثبيت أسعار الطاقة المنخفضة وسط توقعات بارتفاع الأسعار في وقت لاحق من العام، ومع ذلك، فكلما زاد عدد الغاز الطبيعي المسال المحجوز في عقود طويلة الأجل، قل الغاز الطبيعي المسال الموجود في السوق الفورية، مما يشير إلى أن الأسعار قد تشهد ارتفاعا آخر في مرحلة ما حيث يتم حاليا استبدال العقود التي تنتهي صلاحيتها في غضون ثلاث إلى أربع سنوات بعقود جديدة، ويبدو أن المستوردين الآسيويين الجادين بشأن أمن الطاقة لديهم يهيمنون على سوق الإمداد طويل الأجل، مما يترك الأوروبيين الجادين بشأن تحولهم إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لدفع أسعار أعلى للغاز الذي سيستمرون في الحاجة إليه في غضون ذلك، وهو أمر سيكون مكبلاً للعديد من الحكومات الأوروبية، والتي حرصت بشكل مكثف على تطوير علاقاتها مع الدوحة من أجل الاستفادة من المنتج الإضافي من الغاز ويبدو أنها ستكون أكثر مرونة بما يتوافق مع المصالح القطرية بتأمين تعاقدات طويلة المدى لتوفير الإمدادات الحيوية من الغاز القطري إلى السوق الأوروبية.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق