أكد البروفيسور رافيل شانيسكي، خبير شؤون الشرق الأوسط وأستاذ السياسة الدولية بجامعة يوتاه: إن الأدوار الدبلوماسية التي تلعبها الدوحة، من خلال كونها تتبع سياقاً من الموازنة وتوظف فيها أدواتها النشطة بما يخدم مصالحها، وتحقق نتائج متميزة من خلال استضافة المباحثات وجولات الوساطة، هو مشهد يتوافق مع التطلع لاستدامة العلاقات القطرية مع العديد من القوى الدولية، شرقاً وغرباً، وهو أمر لا يتوقف عند قطر وحدها، فهي مسارات ثنائية الاتجاه تنظر أيضاً لما تمنحه الدوحة من قوة اقتصادية استثمارية ومورد هائل للطاقة والغاز الطبيعي، جعل الاتجاه المشترك نحو مزيد من علاقات الصداقة مع قطر تجمع ما بين الصين وأمريكا وأوروبا وإلى روسيا، في مسارات دبلوماسية تحاول على الأغلب الاستفادة من توطيد العلاقات الإيجابية وانعكاساته على الرؤى والاحتياجات الداخلية
إن قطر دائماً ما خلقت لنفسها وضعاً مميزاً يمنحها خيارات متعددة تجعلها تلعب أدوارا بارزة في الوساطة الدولية، انطلاقاً من علاقاتها الإيجابية الحيوية مع إيران والتي وظفتها أيضاً لتبني مسارات من دبلوماسية الوساطة مع أمريكا، وهو الشأن نفسه في الملف الأفغاني الذي نشطت فيه قطر منذ أكثر من عقد مضى بدعوة أمريكية لافتتاح مكتب لطالبان في الدوحة من أجل الانخراط في عملية سلام انتهت بانسحاب كامل للقوات الأمريكية من أفغانستان وإنهاء أطول حرب أمريكية، ولهذا فلا يمكن النظر إلى المتغيرات العديدة في سياق آخر، فالدوحة دائماً ما أوجدت لنفسها وضعاً إيجابياً تستفيد منه من تعدد علاقاتها الدولية وتنوعها، ووجودها المؤثر في مختلف الملفات الإقليمية وتطورات الساحة العالمية.
مشاهد دولية
ويرى د. رافيل شانيسكي في تصريحاته ، أنه حتى في سياق تعاقدات الطاقة، نجحت الدوحة في مواصلة روابطها المستدامة مع السوق الآسيوية دون أن ينعكس ذلك على العلاقات القطرية الأوروبية أو الأمريكية، وهو ما جعل تعاقداتها خارج مسار صراعات النفوذ الدولية، خاصة مع تفضيل المستهلكين البارزين من آسيا لصيغة التعاقدات طويلة المدى التي كانت عائقاً في بعض المفاوضات القطرية- الأوروبية، كما أن ذلك لا يمكن إسقاطه سياسياً على العلاقات المتميزة للغاية التي تجمع الدوحة بواشنطن، فالدوحة تبرز كواحدة من أقوى الشركاء في الخليج بل في مراحل متقدمة في أجندة العلاقات الثنائية مع إدارة بايدن في ملفات حيوية مثل أفغانستان وفنزويلا وإيران وفلسطين وأيضاً بضخ مزيد من التوريدات صوب أوروبا في أزمة الطاقة التي اندلعت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكنها أضافت إلى أدوار الوكالة الدبلوماسية التي تكشف مدى الثقة الأمريكية الكبرى في قطر ذلك في المشهد الأفغاني، وتبني مباحثات رفيعة على أعلى مستوى مع قادة طالبان بشأن ملفات اقتصادية ومقترحات تبادل أسرى والإفراج عن الأصول المجمدة، وهي ذاتها المقترحات التي انخرطت فيها الدوحة بين واشنطن وطهران في خطوات متقدمة دبلوماسياً صاحبت نوايا عن اتفاق جزئي بين أمريكا وإيران ضم بعض المناقشات النووية الحاسمة، ولكن الدوحة أضافت إلى ذلك مؤخراً وساطة في ملف العلاقات الأمريكية- الفنزويلية عبر تنسيق لقاءات رفيعة المستوى بين الجانبين، بهدف دفع وتيرة العلاقات المتوترة على خلفية الشرعية السياسية في المشهد الفنزويلي، والعقوبات الاقتصادية الأمريكية، وهو دور حيوي للدوحة التي تدعم أرصدتها الدولية في ملف الوساطة، وتتوسط في نزاع وإن كان بعيداً عن حدودها الجغرافية أو حتى ارتباطاتها العرقية كمشاهد أخرى مثل أفغانستان، ولكنه يحقق لها العديد من المكاسب، لاسيما أن الدوحة حيَّدت نفسها عن الدخول في صراع الشرعية السياسية الداخلية وتسمية أسماء رئاسية مثلما قامت أمريكا في المشهد الفنزويلي، ثانياً إضافة مزيد من الأرصدة لوساطاتها الناجحة في ملفات تبادل الأسرى كما نجحت في ذلك في مشاهد عديدة في أفغانستان، وهي مهارة دبلوماسية تطورها الدوحة في انخراطها الفاعل سواء في القنوات المفتوحة للتوصل المستغلة لتمرير مقترحات تدفع عجلة المفاوضات لنتائج إيجابية، وأيضاً في لوجستيات تبادل الأسرى وضمانات التعاطي مع أنظمة مختلفة في ملفات شديدة الحساسية، وأيضاً في المباحثات الاقتصادية المرتبطة بسلاح العقوبات الاقتصادية والإفراج عن الأصول المجمدة، والأمر نفسه يأتي كمساعدة إضافية لأمريكا بمزيد من أدوار الوساطة الحيوية في ملفات شائكة سياسياً ومؤثرة في نتائجها الختامية بكل تأكيد.
علاقات متميزة
ويتابع الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط قائلاً: إن أهم ما ميز العلاقات المهمة التي طورتها قطر أيضاً سواء مع إيران أو مع روسيا، هو أنها عزلت نفسها عن واقع العقوبات الاقتصادية بأشمله، خاصة أن الأمر يرتبط مع إيران عبر علاقات وطيدة عبر حقل شمال المشترك بين البلدين، ودوافع جيوسياسية عززت مزيدا من العلاقات الثنائية بين الدوحة وطهران ساهمت في مضاعفة معدلات التبادل التجاري، انعكس ذلك في فترة شهدت توترات خطيرة في الخليج بين أمريكا وإيران في إدارة ترامب السابقة، جعلت مسار الحوار مع إيران هو الأكثر ترجيحاً دولياً أو إقليميا، وأيضاً كانت قطر تمتلك أرصدة بارزة في السوق الروسية في قطاعات الطاقة وأسهم المطارات وعدد من المشاريع الاستثمارية التي تبنتها الدوحة في روسيا، كانت بمعزل أيضاً عن تباين موقف الدوحة وموسكو في المشهد السوري، وكان من الطبيعي للدوحة أن تنخرط في مزيد من المباحثات لترتيب الأوضاع ومستقبل الاستثمارات مع روسيا مؤخراً في مشهد دولي يشهد هو الآخر ترتيباً للأوضاع في ضوء مستجدات الساحة العالمية، كما أن الدوحة في الوقت ذاته تواصل توطيد علاقاتها المهمة مع الحلفاء الإستراتيجيين لاسيما مع تركيا التي تجمعها مع الدوحة روابط مؤثرة، وتواصل توطيد هذه العلاقات الإيجابية بمزيد من المواقف المتجددة والزيارات الرسمية والاستثمارات الحيوية الفاعلة بل إنها دعمت مبادرة دبلوماسية لدفعة إيجابية بين العلاقات التركية والمصرية لتسوية الخلافات وصياغة صفحة جديدة من العلاقات تتطور بزيادة آفاق وواقع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وهو ما جعل السياسة القطرية كما يشير الخبراء الدوليون في سياق من مسار مستقل للعلاقات الخارجية، وموازنة العلاقات الدولية بصورة دقيقة بما يخدم مصالحها، ويجنبها صدامات النفوذ الإقليمي، وصراعات المشهد الدولي، وتبرز كمركز عالمي للوساطة، يضيف لما تمتلكه من مكانة رائدة في الطاقة والاقتصاد.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق