الأحد، 20 أكتوبر 2024

بعد عقود من التعاون المتنامي والمثمر.. علاقات قطر مع إيطاليا وألمانيا على أعتاب مرحلة جديدة

 



تتوج زيارة الدولة التي سيبدأها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، غدا الأحد، إلى الجمهورية الإيطالية، وتتبعها زيارة عمل إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية، عقودا من الصداقة المتميزة والتعاون المتنامي بين دولة قطر والبلدين الأوروبيين، حيث من المتوقع أن تشهد علاقات الدوحة مع روما وبرلين نقلة نوعية نحو شراكة استراتيجية مثمرة على مختلف الأصعدة، مما يعزز مد جسور التعاون وتقوية الروابط المشتركة.


اقتصاديا، ينتظر أن تسهم زيارة سمو الأمير المفدى، في تطوير علاقات التعاون القائمة بين قطر والبلدين الصديقين، بما يؤسس لمرحلة متقدمة من التعاون التجاري والاستثماري تزيد من وتائر التبادل التجاري، وتضيف قطاعات حيوية مهمة للتعاون بين الجانبين، اللذين تميزت علاقاتهما في السنوات الأخيرة بأنها علاقات اقتصادية راسخة، وفقا لما تكشفه أرقام المجلس الوطني للتخطيط.


واستنادا إلى تلك الأرقام فقد شهد التبادل التجاري بين قطر وإيطاليا نموا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، ناهز العام الماضي 20 مليار ريال مقارنة بـ11.1 مليار ريال عام 2018، وبنسبة نمو تقدر بـ80 بالمائة. بينما بلغ حجم التجارة مع ألمانيا 7.1 مليار ريال عام 2023 ارتفاعا من 6.8 مليار ريال في العام 2022، بزيادة بلغت نسبتها 4.4 بالمئة وهو ما يعكس تطور التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين قطر وكل من البلدين.


وفي هذا السياق، أكد الدكتور حازم رحاحلة مدير وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن المتتبع للعلاقات الاقتصادية التي تجمع دولة قطر مع الاتحاد الأوروبي والدول التي تنضوي تحته وتطورها على مدار السنوات الأخيرة، يلحظ بوضوح دخولها منعطفا إيجابيا ملفتا يهيئ لمجالات أوسع وأعمق من التعاون الاقتصادي في المرحلة المقبلة.


وقال الدكتور رحاحلة، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: "إن أبرز ما يميز هذه المرحلة من الشراكة أنها جاءت خلال فترة ترسخت فيها قناعة لدى الأوروبيين بأن الشراكة مع دولة قطر هي ضرورة استراتيجية، ليس فقط لدورها المشهود في ضمان أمن طاقتهم في أحلك الظروف الجيوسياسية التي مرت بها القارة الأوروبية على مدار عقود من الزمن، وإنما أيضا باعتبارها شريكا تجاريا واستثماريا واعدا".


وأوضح أن خلال الفترة الممتدة بين عامي 2018 و 2022، ارتفعت الصادرات القطرية إلى الاتحاد الأوروبي بأكثر من أحد عشر ضعفا، من ما يقرب 9 مليارات إلى نحو 106.7 مليار ريال، فيما شهدت الواردات القطرية من دول الاتحاد نموا معتدلا نسبيا وبواقع 16.6% إلى أن وصلت في العام 2022 إلى نحو 33 مليار ريال.


وأضاف: "استثماريا، هناك حضور نوعي وواضح للاستثمارات القطرية المباشرة في دول الاتحاد الأوروبي التي وصل حجمها في عام 2021 إلى نحو 23 مليار يورو لتشكل بذلك نحو 55 بالمائة من إجمالي الاستثمارات القطرية المباشرة في الخارج، فيما وصل حجم الاستثمارات الأوروبية في دولة قطر في العام ذاته إلى نحو 6.4 مليار يورو، وهي تشكل نحو ربع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دولة قطر".


وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية الثنائية مع كل من إيطاليا وألمانيا، أوضح الدكتور رحاحلة أنها شهدت هي أيضا ازدهارا ملحوظا على مدار الأعوام الأخيرة. فقد أسعفت العلاقات السياسية والاقتصادية الراسخة مع هذه الدول والدور الفاعل الذي تضطلع به قطر في ضمان أمن الطاقة على المستوى العالمي، كلا البلدين ومكنتهما من تعويض جانب كبير من نقص إمدادات الغاز الناجم عن تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما يفسر ارتفاع الواردات الإيطالية من الغاز والنفط القطري بوتيرة مطردة خلال الأعوام القليلة الماضية، من 1.4 مليار يورو في عام 2018 إلى نحو 5.2 مليار يورو في عام 2022، وهو ما جعلها الدولة الأوروبية الثانية الأكثر استيرادا من قطر والثامنة عالميا.


كما تعد إيطاليا رابع أكبر مصدر لقطر بقيمة وصلت إلى نحو 2 مليار يورو في عام 2022، مرتفعة بذلك بنحو 47 بالمائة عن مستوياتها في عام 2018. وتترافق التطورات التجارية اللافتة بين البلدين مع نشاط استثماري لافت أيضا، فقطر تضع إيطاليا ضمن خريطة التنويع الاقتصادي العابرة للحدود مركزة في استثماراتها على القطاعات الواعدة فيها كالقطاعين العقاري والسياحي، التي تدر عوائد استثمارية مجزية، وتنظر إليها أيضا كشريك نشط وواعد في القطاعات الحيوية في قطر وفي طليعتها القطاع الهيدروكربوني والأنشطة المرتبطة به والقطاع السياحي وغيرها من الأنشطة التي تندرج ضمن الرؤية الاقتصادية المستقبلية لدولة قطر.


ولفت مدير وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إلى أن ألمانيا تعد أيضا شريكا استراتيجيا وواعدا لدولة قطر. فعلى الرغم من انحسار حجم وارداتها من قطر مقارنة بباقي الدول الأوروبية وميل الميزان التجاري لصالحها، إلا أن ألمانيا سبق وأن استعانت بقطر خلال الفترات الماضية لتعويض جانب من نقص إمداداتها من الغاز الروسي وهو ما يفسر ارتفاع وارداتها من قطر في عام 2021 إلى نحو 1.6 مليار يورو قبل أن تستقر عند نحو 538 مليون يورو في عام 2022، في الوقت الذي تصل فيه واردات قطر من ألمانيا إلى نحو 1.4 مليار يورو تتركز غالبيتها في المركبات والمعدات والأجهزة الكهربائية ومستلزمات الصناعات القطرية.


كما تعد ألمانيا وجهة استثمارية واعدة لدولة قطر، فاستثماراتها حاضرة بقوة في شركات ألمانية عالمية مثل /فولكس فاجن/، و/سيمنز/، و/بنك دويتشه/.


وأضاف: "أعتقد أن ملف الطاقة سيكون حاضرا بقوة على أجندة المباحثات مع البلدين وهو ملف ربما لن ينحصر نطاقه فقط في مستوردات البلدين من الغاز الطبيعي المسال، وإنما سيمتد أيضا إلى المنتجات المصنعة المرتبطة بالقطاع الهيدروكربوني التي أصبحت تلقى إقبالا متزايدا عليها من كلا البلدين. 


وكذلك الاستثمارات التي تسعى دولة قطر من خلالها إلى الارتقاء بسياسة التنويع الاقتصادي التي تنتهجها. فالبلدان يحتضنان أنشطة ومشاريع واعدة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والصحة والسياحة والعقار، وهي أنشطة تندرج ضمن الاهتمامات الاستراتيجية لقطر، سواء باستقطابها للاستثمار بشكل مباشر في قطر أو المساهمة بشكل فاعل فيها على نحو يعظم من العوائد المستقبلية المتأتية منها ويعزز من قدرتها على اللحاق بركب التطورات التي يشهدها العالم على مختلف الصعد.


 وانطلاقا من ذلك ومن المنافع المشتركة الواعدة التي يمكن أن تضيفها هذه الشراكات لدولة قطر وكل من ألمانيا وإيطاليا، فمن المحتمل أن تتطرق المباحثات إلى المعاملة التفضيلية التي يمكن أن تضمن تحقق المصالح المشتركة والتسريع من وتيرة هذه الشراكات وترجمتها على أرض الواقع".



وحول الدور الذي تقوم به قطر في مجال إمداد البلدين بالطاقة.. لاسيما مع حلول الشتاء وتراجع الإمدادات من روسيا، أكد الدكتور حازم رحاحلة مدير وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن قناعة دامغة ترسخت لدى ألمانيا وإيطاليا، والدول الأوروبية بشكل عام، بأن قطر هي شريك استراتيجي يعول عليه لضمان استدامة إمداداتها من الطاقة، فبالإضافة إلى تمتعها باحتياطيات وقدرات إنتاجية كبيرة قادرة على تلبية احتياجات هذه الدول من الغاز والطاقة بشكل عام، فهي تعد أيضا شريكا يتمتع باتزان سياسي ومواقف مسؤولة تجاه القضايا العالمية، وهو ما يجعلها شريكا آمنا ومستقرا على المدى البعيد.


من جهته، قال الدكتور محجوب زويري أستاذ سياسة الشرق الأوسط المعاصر بجامعة قطر، في تصريح مماثل لـ/قنا/: "إن الحديث عن العلاقات القطرية مع كل من إيطاليا وألمانيا، هو حديث عن شراكات قوية وعلاقات ذات بعد إستراتيجي حافل بكثير من التفاصيل التي دأبت قطر على الاهتمام بها وتركز عليها في علاقاتها مع هذين البلدين".


وأضاف: "أما ألمانيا فالكل يعرف أنها قوة اقتصادية مهمة، سواء على مستوى أوروبا أو الاقتصاد العالمي، وبالتالي قطر طورت علاقات مهمة معها.. هذه العلاقات جزء منها مرتبط بالجوانب الاقتصادية بشكل أساسي، فاستثمارات قطر في ألمانيا تجاوزت حاجز 30 مليار دولار، كما أن هناك أكثر من 150 شركة ألمانية تعمل في السوق القطري بقطاعات متعددة، وهناك استثمارات في قطاع الكهرباء في ألمانيا، وإمداد للغاز لألمانيا، وبالتالي نحن نتحدث عن شراكات بتفاصيل مهمة في العلاقة بين البلدين، ومن هنا يحرصان على تطوير هذه العلاقات وتوظيفها من أجل القضايا المهمة في الشرق الأوسط لخلق حالة من السلم والاستقرار في المنطقة".


أما بالنسبة لإيطاليا فتجمعها مع قطر شراكة اقتصادية قوية ومهمة جدا لاسيما فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعي، وهناك شراكة قوية بين شركة إيني الإيطالية وقطر للطاقة خاصة في المشاريع المتعلقة بحقل الشمال والغاز القطري، كما تستقبل محطة /أدرياتيك/ بإيطاليا كميات كبيرة تصل إلى أكثر من 8 مليارات متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي المسال القطري، وبالتالي نحن نتحدث أيضا عن شراكة اقتصادية قوية بين البلدين، ناهيك عن العلاقات الممتازة والمتطورة في بعدها العسكري، ومن هنا فزيارة سمو الأمير المفدى تأتي للبناء على هذه النجاحات في العلاقات بين قطر وهذين البلدين المهمين في الاتحاد الأوروبي.


ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © ساحة الشرق
تصميم : يعقوب رضا