إطلاق التأشيرة السياحية الموحدة، يعكس التزام دول الخليج بتعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية
قال خبراء ومحللون اقتصاديون إن قطر عززت السياحة الخليجية باستضافتها كأس العالم 2022، وأضافوا أن دول مجلس التعاون الخليجي تتبنى رؤية متفائلة تجاه إصدار تأشيرة سياحية موحدة قادرة على إحداث طفرة في قطاع السياحة، والذي باتت تراهن عليه ليكون مساهماً رئيسياً في الناتج الإجمالي المحلي إلى جانب النفط. وكان للدوحة دور فاعل ومؤثر في هذا التوجه، حيث أقر المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في القمة 44 المنعقد بالدوحة في ديسمبر الماضي التأشيرة الموحدة، وفوّض وزراء الداخلية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه التأشيرة، وتحديد ماهيتها، تمهيداً لطرحها نهاية العام الجاري، أو مطلع العام المقبل.
وأكد مسؤولون في قطاعي السياحة والسفر والضيافة، أن إطلاق التأشيرة السياحية الموحدة، يعكس التزام دول الخليج بتعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية بارزة، مشددين على أن القرار سيفتح آفاقًا جديدة لزيادة أعداد السائحين الوافدين ومزيد من الاستثمارات في البنية التحتية. ومع ذلك، يرون أن موعد إطلاق التأشيرة مرهون بالتنسيق الأمني بين بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث سيتم التركيز على تحقيق التوازن بين تسهيل السفر وضمان أمن الدول الأعضاء، بما يؤكد أن اعتماد النظام لا يعني تلقائيا موافقة الدول الأعضاء على السماح بدخول حاملي تلك التأشيرات.
زيارة مفتوحة
تأشيرة السياحة الخليجية الموحدة ستحمل اسم (GCC Grand Tours)، وستتيح لحامليها من الزائرين والمقيمين من غير مواطني دول الخليج القيام برحلات لمدة تزيد عن 30 يوماً متتالياً بين الدول الست، وهي: المملكة العربية السعودية و قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت وعُمان. ويقول كبير محللي السوق في سنشري فاينانشال، أرون ليزلي جون، إن إصدار هذه التأشيرة الموحدة هو مسعى معقد يتضمن أنظمة تقنية وتشغيلية واقتصادية متداخلة، منوهاً أنه على الرغم من عدم الإبلاغ عن أي عقبات، فيتعين على دول الخليج مواجهة العديد من التعقيدات، حيث يمتلك كل بلد حالياً قوانينه الخاصة بالسفر وإصدار التأشيرات والهجرة. وأضاف جون «إصدار التأشيرة الخليجية الموحدة سيستلزم توحيد هذه القوانين لضمان إطار قانوني مبسط ومشترك، كما سيتعين على سلطات الهجرة التعاون والتنسيق مع بعضها البعض لضمان عبور الحدود بسلاسة، العامل الأمني يمثل مصدر قلق كبير، خاصة وأن هذه التأشيرة ستستلزم تبادل المعلومات البيومترية وغيرها من المعلومات الشخصية الحساسة عبر الحدود».
ووفقاً للتصورات الأولية للمشروع، سيتمكن طالبو التأشيرة من تقديم طلباتهم عبر منصة إلكترونية موحدة، حيث يتم تدقيق البيانات والحصول على موافقات من الدول الأعضاء قبل إصدار التأشيرة. في حال وجود موانع من دولة ما، سيتم إصدار التأشيرة بشرط السماح بدخول الدول الموافقة فقط.
بيانات التأشيرات
وفي العام الماضي، أصدرت قطر 1.5 مليون تأشيرة سياحية، والسعودية 7 ملايين تأشيرة، تلاها الإمارات 6 ملايين، ثم عمان 1 مليون، ومن ثم الكويت والبحرين 0.5 مليون لكل منهما، بحسب تقارير وزارات السياحة في دول الخليج. ويرى كبير محللي السوق في سنشري فاينانشال، أن جميع دول الخليج في وضع يسمح لها بالاستفادة من تنفيذ هذه التأشيرة، إلا أن البعض سيشهد نتائج ملموسة أكثر في عدد الزائرين بالنظر إلى سياسات التأشيرات الحالية والمعالم السياحية والبنية التحتية المتطورة. وبين أنه من المتوقع أن يؤثر التحسن في حرية التنقل في المنطقة بشكل إيجابي على الدول الأقل من حيث أعداد السائحين مثل البحرين والكويت وعمان وقطر، لتتضاعف الأرقام بشكل ملحوظ مع إدخال تأشيرة السياحة الموحدة لدول الخليج. وفي قطاع الفنادق الخليجي، بلغ عدد الغرف الفندقية في السعودية 150 ألف غرفة، وفي الإمارات 200 ألف غرفة، وفي قطر 40 ألف غرفة، وفي عمان 20 ألف غرفة، وفي الكويت والبحرين 15 ألف غرفة لكل منهما، بحسب تقرير (STR Global) لتحليل سوق الفنادق في الشرق الأوسط 2023.
سياسات جديدة
الاستراتيجية الخليجية السياحية المشتركة للأعوام 2023-2030 تستهدف زيادة عدد الزوار إلى 128.7 مليون زائر في العام 2030. ويتوقع محمد عوض الله الرئيس التنفيذي لـ «مجموعة تايم للفنادق»، أن تُسهم التأشيرة الجديدة في نمو عدد السياح الوافدين إلى المنطقة بنسبة تصل إلى 20% خلال العام الأول من تطبيقها تزداد تدريجياً لتصل إلى مستهدفات 2030. وأشار عوض الله، إلى أهمية السياسات الجديدة التي تتبناها الحكومات الخليجية، متمثلة في دعم بنية قطاع الطيران وتنويع نظام التأشيرات السياحية، بالإضافة إلى تنظيم الأحداث العالمية الكبرى مما ساهم في زيادة معدلات الإشغالات الفندقية لتتراوح ما بين 70 إلى 80% على مدار العام. و بحسب بيانات منظمة السياحة العالمية، ارتفع عدد السياح الدوليين القادمين لدول مجلس التعاون الخليجي العام الماضي بنسبة 29% ليصل إلى 61.5 مليون مقارنة مع 47.7 مليون سائح دولي في 2022.
برامج مشتركة
وفي الوقت الذي تسعى فيه دول الخليج لزيادة أعداد السياح الوافدين، تواجه مدن عالمية مثل البندقية، برشلونة، وأمستردام تحديات من آثار زيادة أعداد السياح، مثل التدهور البيئي وارتفاع تكاليف المعيشة وتأثيرها على الثقافة المحلية. واستجابة لذلك، بدأت العديد من الوجهات الأوروبية في تنفيذ خطط لتقليص نمو السياحة بهدف التخفيف من هذه الآثار السلبية وتعزيز ممارسات السياحة المستدامة. ويرى تامر مرزوق، المستشار السياحي السابق لمصر في برلين ورئيس مجلس إدارة (MIMC) للتسويق السياحي، أن هذا التحول يمثل فرصة كبيرة لدول الخليج لتكون بديلاً مميزاً للمسافرين العالميين الذين يبحثون عن تجارب جديدة ومستدامة. ويؤكد مرزوق، ضرورة إطلاق برامج تسويقية مشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي في الدول الأوروبية؛ لتسليط الضوء على الإمكانات المتاحة، استكمالاً لما أحرزته قطر من تقدم خلال استضافتها لكأس العالم 2022» يضيف مرزوق.
الناتج المحلي
وفي المجمل، يرى الخبراء أن دول الخليج قادرة على رفع مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي ونجاح فكرة إصدار تأشيرة سياحية موحدة بشرط زيادة الاستثمارات في البنية التحتية وتكثيف جهود الترويج للوجهات السياحية بشكل مشترك، بالإضافة إلى التنسيق بين الأنظمة الأمنية في الدول الأعضاء لضمان سلاسة تطبيق التأشيرة الموحدة. و بحسب مجلس السفر والسياحة العالمي، تبلغ نسبة مساهمة القطاع السياحي من إجمالي الناتج المحلي الخليجي خلال العام الماضي نحو 10.8%، على أن ترتفع إلى 11.4% العام الجاري و13.3% بحلول العام 2034.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق